إسرائيل والفتنة في السويداء- مخطط لتقويض وحدة سوريا.
المؤلف: رامي الخليفة العلي08.27.2025

تعود إلى الأذهان صور التهجير المأساوية لتخيم مجدداً على محافظة السويداء، محملة بمرارة ذكريات سنوات الحرب العجاف، في فترة لا يزال السوريون يتوقون فيها إلى التعافي وإعمار وطنهم الجريح. لكن الأمر الجدير بالاهتمام في هذه المرحلة الدقيقة هو استغلال إسرائيل لهذا الوضع المضطرب، من خلال تدخلاتها الفجة تحت حجج واهية بحماية بعض الطوائف، في مسعى جليّ لتمزيق اللحمة الوطنية السورية وتأجيج الخلافات بما يخدم أهدافها ومخططاتها التوسعية الخبيثة.
إن التدخل الإسرائيلي السافر في السويداء ليس بمعزل عن سياستها المعهودة منذ اندلاع الأزمة السورية بهدف النيل من وحدة سوريا واستقرارها، فقد دأبت إسرائيل على استغلال الأزمات الداخلية السورية لفرض وقائع جديدة على الأرض، مستغلة ضعف الوضع الإقليمي والدولي، وموظفة خطاباً مزيفاً يدّعي الحرص على مصالح الأقليات بينما هدفها الحقيقي هو تدمير النسيج الاجتماعي السوري المتماسك.
في الوقت الذي تتطلع فيه سوريا إلى استعادة عافيتها والتركيز على مشاريع إعادة الإعمار وتوطيد المصالحة الوطنية الشاملة، تنتهز إسرائيل أي فرصة لزعزعة الاستقرار الداخلي والإسراع في خلق بيئات متوترة في الجنوب السوري على وجه الخصوص، نظراً لما تتمتع به هذه المنطقة من أهمية جغرافية واستراتيجية قصوى بالنسبة لها.
علاوة على ذلك، تأتي هذه السياسة الإسرائيلية المريبة في لحظة تشهد فيها المنطقة تحولات مفصلية، حيث إن المحيط العربي قد أعاد فتح قنوات التواصل الدبلوماسي مع دمشق، إدراكاً منه بأن استقرار سوريا يمثل مصلحة عربية مشتركة، وهو ما يثير حفيظة إسرائيل التي تعي تماماً أن عودة سوريا إلى حاضنتها العربية يعني تقويض نفوذها وإضعاف مشاريعها الخبيثة؛ لذلك تسعى تل أبيب جاهدة، عبر أدوات متنوعة، لاستغلال أي تصعيد أو توتر في الداخل السوري لتقديم نفسها كطرف حريص على حماية فئات معينة من الشعب السوري، بينما هي في الواقع المستفيد الأكبر من استمرار الفوضى والانقسامات داخل البلاد.
من هذا المنطلق، تبرز الحاجة الماسة إلى تعزيز الجبهة الداخلية السورية وتوطيد الوحدة الوطنية بين جميع المكونات، بمن فيهم أهالي السويداء من الدروز والبدو وسائر أطياف الشعب السوري، والالتفاف حول هدف سامٍ يتمثل في منع أي تدخل أجنبي، وفي مقدمته التدخل الإسرائيلي المغرض الذي لا يضمر لسوريا إلا المزيد من الضعف والتشرذم.
إن رهان أي فئة أو تنظيم على إسرائيل هو خطأ فادح وسوف يلحق الضرر بالجميع ويجعلهم عرضة للتقلبات الدولية، ولم يثمر هذا الرهان على مدار العقود السبعة الماضية من عمر الكيان الصهيوني، وهو ما تؤكده التجارب المريرة التي أثبتت أن إسرائيل لا تضع في اعتبارها إلا مصالحها الخاصة، ولا يمكن الاعتماد عليها كضامن أو حامٍ لأي طرف.
لقد أدت الأحداث المؤسفة في السويداء مؤخراً إلى انقسام طائفي مقلق يهدد سوريا ومصيرها، مما ينذر بتبعات وخيمة على وحدة البلاد ونسيجها الاجتماعي، وهو ما يستدعي وقفة جادة من جميع السوريين لوقف هذا التدهور الخطير.
إن الرهان الحقيقي اليوم يجب أن ينصب على قدرة السوريين على تجاوز خلافاتهم بروح وطنية صادقة، تضع في مقدمة أولوياتها الحفاظ على وحدة البلاد وإحباط أي محاولات خارجية لاستغلال الأوضاع المعيشية أو السياسية لفرض أجندات تخدم مصالح أعداء سوريا.
فلا سبيل لنجاة سوريا إلا بوحدتها، ولا مستقبل لها إلا برفض التدخلات الخارجية السافرة، وعلى رأسها التدخل الإسرائيلي المشين، الذي لطالما كان عقبة كأداء أمام أي مشروع وطني حقيقي.
إن المرحلة القادمة تتطلب وعياً سورياً متجدداً يدرك خطورة المرحلة الراهنة، ويجعل من مواجهة الأطماع الإسرائيلية الخبيثة أولوية وطنية تتقدم على كل الخلافات، كي تستعيد سوريا مكانتها المرموقة دولة قوية موحدة قادرة على حماية أبنائها وصون مستقبلهم الزاهر.